الأربعاء، 6 مارس 2019

أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ

قال ابن تيمية في جامع المسائل [56/1] :-
«وإذا كان القيوم الذي لا يزول فقد دخل في ذلك أنه لا يأفل، كما قال الخليل ﷺ :{لا أحب الأفلين} فإنه من المعلوم أن أفول الشمس والقمر والكواكب أبلغ في النقص من زواله إذا كان الآفل غاب واحتجب، ولم يبق له في عابده فعل ولا نفع، ولا يمكن عابده أن يوجه وجهه إليه، بخلاف زوال الشمس، فإنه فيه نقص لها وانخفاض وانحطاط عن حال كمال ارتفاعها. والزوال بدء حصول الأفياء المزيلة لشعاعها، فإن الظل يكون ممدودا قبل طلوعها، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ فإذا طلعت انبسط شعاعها على وجه الأرض، ونسخ الظل الذي يقع عليه، فنسخ الظلال الشرقية كلها، ولا يزال ينسخ الغربية شيئا بعد شيء حتى تستوي الشمس، فيكون قد نسخ الظلال الشرقية والغربية جميعا، وهذا غاية نسخ الشمس الظلال. فإذا زالت انحطت وانخفضت ففاءت الأفياء. و(الفيء) اسمٌ للظل الذي بعد الزوال، و(الظل) يعم ما قبله وما بعده، لأنه يَـفِيٖء الفَيْء ويعود، فيعود الفيء إلى ناحية المشرق، بعد أن كان قد نسخ عنها، ولا يزال الفيء يمتد ويطول كلما انخفضت الشمس إلى أن تغرب فيعود الظل ممدودا بأفولها كما يكون ممدودا قبل طلوعها، فكان أفولها غاية بطلان أثرها في ذلك الزوال الذي هو مبدأ ذلك الأفول فهو نقصها الذي ابتدأ من الزوال وكأنه كمال زوالها. ولهذا فسر دلوكها بهذا وبهذا في قوله عز وجل: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق اليل﴾ فطائفة من السلف قالوا: دلوكها غروبها، والتحقيق: أن الزوال=أول دلوكها، والغروب=كمال دلوكها، فمن حين الزوال إلى الغروب دالكة، كما هي زائلة بارحة، ولهذا سميت "براح"، ويقال: دلكتْ بَراحِ. ولهذا قال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ ﴾...»