الاثنين، 15 يوليو 2019

﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾

قال عبدالقادر البغدادي في شرح شواهد الشافية [36/4] :-

«..قوله تعالى (فما بكت عليهم السماء والارض) فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والارض، وعن الحسن رحمه الله: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعنى فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الارض، انتهى.
وهذا ملخص من أوائل أمالى الشريف المرتضى، وفيها زيادة، ونحن نلخص ما فيها أيضا، قال: في الاية وجوه أربعة من التأويل، أولها: أن المراد أهل السماء والارض، فحذف كقوله تعالى (واسأل القرية) ، ثانيها: أنه تعالى أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة، لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت: كسفت الشمس لفقده، وأظلم القمر، وبكاه الليل والنهار والسماء والارض، يريدون بذلك المبالغة في عظم الامر وشمول ضرره، وهذا صنيعهم في وصف كل أمر جل خطبه وعظم موقعه، فيصفون النهار بالظلام، وأن الكواكب طلعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها، ثالثها: أن يكون معنى الآية الإخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم، ولا انتصر لهم، لأن العرب كانت لا تبكى على القتيل إلا بعد الأخذ بثأره، فكنى الله تعالى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والأخذ بالثأر، على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن، رابعها: أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم في الارض عمل صالح يرفع إلى السماء، ويطابقه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قيل له: أو تبكيان على أحد؟ قال: نعم، مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء، وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه،
فإذا مات بكيا عليه " ومعنى البكاء هنا الإخبار عن الاختلال بعده، كما يقال: بكى منزل فلان بعده، قال مزاحم (من الطويل):
 بكت دارهم من أجلهم فتهللت ..
 دموعي، فأى الجازعين ألوم؟.»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق